(1)
كان "ابن عربي" يمثل التجربة الروحية والصوفية الكبرى في تاريخ الاسلام في حين أن "ابن رشد" كان يمثل التيار العقلاني المحض، فتقابلا ذات يوم حين دخل ابن عربي وهو صبي لم يطر شاربه بعد على ابن رشد وهو شيخ فقام ابن رشد من مكانه محبة وإعظاما لمعانقته وقال له: نعم، فرد ابن عربي: نعم، ففرح ابن رشد لأنه وافقه ففاجأه ابن عربي بقوله: لا، فقال ابن رشد بعد أن تغير لونه: كيف وجدتم الأمر في الكشف والفيض الإلهي، هل هو ما أعطاه لنا النظر؟ فقال : "نعم" و "لا" وبين نعم و لا تطير الأرواح من موادّها والأعناق من أجسادها، فقال ابن رشد: الخلاف حق حيث كان، وقيل أن ابن عربي كان يقصد بـ "نعم" أنه متفق معه على أهمية العقل وضرورة استخدامه، ويقصد بـ"لا" أن العقل وحده لا يكفي للوصول إلى الحقيقة الإلهية وإنما ينبغي أن نفتحه أيضا على الخيال والإلهام والتجربة الروحانية العميقة.
(2)
إتُّهم الدكتور نصر حامد أبو زيد بالردة عن الدين الإسلامي والإلحاد بسبب أبحاثه العلمية التي خالف بها ما هو معتمد من المراجع العلمية الدينية العليا مثل الأزهر الشريف وغيرها، ولما لم يجد خصومه الوسائل القانونية لمقاضاته ولردعه عن أفكاره المخالفة للإجماع يتزعمهم الدكتور عبدالصبور شاهين الذي لم يجير له درجته للأستاذية بسبب ضعف أبحاثه حسب زعمه فلجأوا إلى مقاضاته بمحكمة الأحوال الشخصية التي تطبق فقه الإمام أبي حنيفة لإقامة دعوى الحسبة والتفريق بين وبين زوجته، فاستجابت المحكمة وحكمت حكمها الشهير بالتفريق بينه وبين زوجته الدكتورة ابتهال يونس، فغادر بلاده طوعا ومكرها لا بطل.
(3)
يقول الدكتور عبدالوهاب المسيري إن الهرمنيوطيقا مشتقة من الكلمة اليونانية Hremeneuin بمعنى يفسر أو يوضح "من علم اللاهوت" حيث كان يقصد بها ذلك الجزء من الدراسات اللاهوتية المعني بتأويل النصوص الدينية بطريقة خيالية ورمزية تبعد عن المعنى الحرفي المباشر وتحاول اكتشاف المعاني الحقيقية والخفية وراء النصوص المقدسة.
ويعلق المفكر الاسلامي سليمان الخراشي في بحث طويل بقوله أن مشروع "أبوزيد" هو وضع التصورات الماركسية والمضامين الجدلية وتفسيراتها للحياة والكون والانسان والوحي والنبوة والغيب والعقيدة في المعنى القرآني فيصير القرآن ماركسيا ينطق بإسم "ماركس" وفلاسفة المادية الجدلية والهرمنيوطيقا ويغير بذلك المفاهيم الرئيسية للقرآن، ويلغي المعاني الحقيقية للسور والآيات ويطمس الحقائق الدينية التي رسخها القرآن وبينتها السنة النبوية.
ويؤيد هذا القول الدكتور محمد العوضي بأن "أبوزيد" ماركسي وتفسيره للقرآن من واقع ماركسيته ويزيد بالقول بأن أبوزيد مزوّر فكري وملحد ويطالبه بأن يعلن إلحاده صراحة وله تفاصيل كثيرة حول الموضوع.
(4)
ليس من الشهامة والمروءة أن تدعو ضيفا إلى بيتك وحين يكون أمام الباب تقول له ارجع فأنت غير مرغوب بك! بلدنا مفتوح ويستطيع أن يحتوي المئات من أمثال أبوزيد ويحتوي كل الأفكار والرؤى ولسنا بحاجة إلى فرض الوصايا على عقولنا وعقول أبنائنا فهم يتلقون جميع العلوم والمعارف والأفكار بكبسة زر وبدلا من أن ندفن رؤوسنا بالرمال يجب أن نواجه كل الرؤى المخالفة لنا، فأهلا وسهلا لأبوزيد وأمثاله فلدينا من هم على مستوى فكري عالي يستطيعون مناكفة ومناظرة أبوزيد على طاولة البحث العلمي من أمثال الدكتور محمد العوضي مثلا فهو المتخصص بهذا النوع من الفكر، فلكم أن تتخيلوا معي كم ستكون محاضرة رائعة وتاريخية لو أنها تمت بشكل علني فستظهرنا بشكل رائع وحضاري أمام شعوب العالم وبأننا شعب لا نخشى الأفكار مهما اختلفنا معها ولا نخشى التحدي الفكري لأن لدينا من المفكرين والمبدعين الذين يردون ويذودون عن ديننا الحنيف بكل شجاعة وثقة بالنفس بدلا من ثقافة الإقصاء والهروب والحجر الفكري والاكتفاء باستخدام ثقافة الشتم واللعن.